احاول هنا تحديد اسباب تخلف المسلمين في مجالات الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، من خلال النظر في المعطيات التي تنسج هذه القضية ومناقشة ما اذا كانت النظرة العلمانية التي تقول ان الاسلام هو سبب تخلفنا على صواب ام لا آخراً بالاعتبار العوامل التي ساعدت الدول المتقدمة في نضالها ضد التخلف.
ليس خفياً علينا ما وصلت اليه دولنا الاسلامية بشكلٍ عام وفي الصومال بشكل خاص من تخلف وتقهقر يبكي القلوب قبل العيون اذ ان عالمنا الاسلامي في سبات عميق لا نعرف سره الامر الذي يجلب خيبة الامل والاحباط للجيل الجديد باحثاً عن حلول لما يعانيه، فيلوم الاسلام ويقول لولا الاسلام لكان حالنا افضل! كرجل اسمر في مجتمع ابيض يلعن حظه وجلده الداكن ويقول لولا سمرتي لكنت كما البشر! وهذا مرض في حد ذاته واحتقار شديد للنفس ولكن للاسف هذا هو حال شبابنا اليوم.
لذلك على الشخص ان يعيد النظر في افكاره هذه ويتعمق اكثر في التاريخ ليدرك ابعادها المتشعبة والسبيل لمعالجتها، وهذه المسالة قديمة اكثر مما يتصوره الجميع اذ انها تقترن بسقوط الخلافة العباسية وقدوم هولاكو الى استعمار الهند وسقوط الدولة العثمانية وما تتبعها من نكسات.
علينا ان نفرق بين الاسلام والمسلمين، الاسلام شرع، والمسلمون عليهم التنفيذ، فهل نلوم اشارة المرور ام نلوم سائق العربة للحوادث التي يرتكبها؟ الجواب هو ان على السائق تتبع الاشارات والوقوف عليها فان خالفها فلا نلوم الاشارة او شرطي المرور!
الاسلام دين رحمة وعلم وتفتح في حين كانت الكنيسة تقتل العلماء لكونهم يسحرون الناس بمخترعاتهم كانت الخلافة الاموية والعباسية تزخر بالمكتبات والتراجم من اليونان وبلاد فارس والهند فتعلم المسلمون منهم وبنوا على علم غيرهم بما يرضي شريعة ربهم، فهل هذا هو الحال الآن؟
لن الوم هولاكو لما فعله بالمسلمين رغم انه يتحمل كل قطرة اراقها، بل الوم انعدام الامانة في مسلمي ذاك الزمن، من وزير المعتصم الذي ارسل لهولاكو بغزو بغداد، الى تسريح خمسة وعشرين فارساً من حرس الخليفة الى كل من قال نفسي نفسي ولم يقل امتي امتي، ولن يتسع الحديث لهولاكو اكثر، يكفي ان نقول انه قتل اكثر من مليون مسلم ورص جماجمهم، اغرق كتبهم وعبر النهر عليها، دمر المدن واستباح الارض.
ولكن من رحمة الله ان جعل لهم مخرجاً من هذا الغزو المغولي ولكن اليس حفياً بنا تعلم هذا المخرج؟ هل كان الاسلام سبب تلك الهزيمة ام سبباً للخروج منها؟ والتاريخ زاخرٌ بتلك الامثال ولك ان تبحث عنها باخلاص وحباً للحق.
الأسلام مجموعة قوانين حواها القرآن الكريم والحديث الشريف يسعى لتحصين النفس، العقل، الدين، العرض والمال. ينظم تعامل الفرد مع ربه ومع مجتمعه، الاسلام دستور بحد ذاته، ينظم المجالات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. فكيف نتخلى عنه ونسعى لغيره لينظم حياتنا؟
الاسلام كان سبب للعزة والاستقرار والحرية، وبه دخل المسلمون مصر والشام و المغرب العربي الى حدود فرنسا غربا والى حدود الصين شرقا، لم يدمروا الاهرامات ولا الحدائق ولا المعابد، انه دين نهضة وليس دين دمارٍ شامل، بل استوعبوا علوم هذه الحضارات وتعلموا منهم وبنوا المدن وعمروا الارض بحمد الله، فتعلموا معالجة الزجاج من الفينيقين، النسيج من المصريين، والقطن من السوريين والحرير من الفارسيين، فكيف نقول ان دينهم رجعي متقوقع لا يفهم؟!
اما العمارة فحدث ولا حرج، فمن الهند والصين الى اليونان والبيزنطيين الى مصر والشام تعلموا قواعدها وجمعوا لها الكتب لحسابتها ونقشها ورسمها فكانت مساجدهم تحف ليس لها مثيل، وبيوتهم جناتٍ على الارض، ورغم ذالك كانوا لا ينسون ربهم ولا يكلون عن عبادته. علمهم كان بالموسوعات وفي كل المجالات وبهذا التقدم الحضاري حكموا العالم بلا منازع لالف و ٣٠٠ عام متواصلة.
تجد الخليفة الناصر في مراكش يناقص ابن رشد في فلسفة ارسطو وافلاطون بينما امراء وملوك الغرب لا يعرفون كيف تكتب اسمائهم! بل ويفخرون بهذا الجهل! مكتبات الخلفاء الامويين تفوق ال٤٠٠ الف كتاب بينما ملك فرنسا يفتخر بمكتبته التي لا تتعى الالف مجلد! ياله من فرق...وعن المكتبات حدث حدث... ٤٠الف في النجف، وفي المراغة ٤٠٠ الف، اما القاهرة فوجد فيها مليون و ٦٠٠ الف مجلد والله اعلم بما كانت تحوي مكتبات الاندلس قبل زوالها ولكن حتماً ستفوق كل ما ذكر.
لن يتسع المقام للحديث عن تقدم المسلمين في الطب والهندسة والرياضات والفلك والفيزياء وحتى الشعر والادب والرواية وغيرها من الجالات ولكن خلاصتها ان الاسلام دين علم وبحث وتفكير، وهذا ما ينص عليه القرآن والسنة. وهذا دليل على ان الاسلام بريء من تهمة التخلف والرجعية وعدم مواكبة عصره؟
ايعقل بعد كل هذا ان نشك في ان الدين الاسلامي يمكنه حقاً اصلاح الامم؟، الم يكن اجداد هؤلاء قمة في الجهل والجهالة والوثنية؟ الم يكونوا يتطيرون ويؤمنون بالخرافات ويعبدون الاصنام ويقتلون اولادهم خشية انفاق؟ ما الذي غيرهم؟ انه الاسلام... و مهما فعلنا لن نصل الى تلك الدرجة من الجهل فلو نفعهم بهذه الصورة وغيرهم لاعظم امة شهِدهاالتاريخ لابد ان يغيرنا نحن ايضا... فقط نحتاج لنعرف كيف...
والسؤال هو اذا لم يكن الاسلام هو سبب تخلفنا فما هو السبب؟ وهذا يعيدني للمثال الذي طرحته سابقاً عن السائق واشارة المرور، وان السائق هو سبب الحوادث لعدم انتباهه او لتجاوزه لاشارة المرور. واعني بهذا ان الاسلام اضاء لنا الطريق فإن تخلفنا نحن عن ركب الحضارات فهذا لاننا اضعنا الطريق وتجاهلنا تعاليم ديننا.
الاسلام يطالبنا باصلاح انفسنا فهل فعلنا ذالك؟ يحرم عنا الفواحش ما ظهر منها وما بطن فهل هذا هو حالنا؟ يامرنا بان المؤمنيين اخوة فهل طبقنا هذا في معاملاتنا، الاسلام يقول "لا يؤمن من بات شبعان وجاره جائع" فهل حققنا عدالةً اجتماعية من هذا القبيل؟ الاسلام دين حضارة وليس دين تخلف وتقهقر ابداً.
اذا نظرنا الى تاريخ هذا التخلف نجده ينقسم الى قسمين مهمين؛ التخلف العلمي والتخلف العسكري، فسقوط الاندلس نكسة عسكرية، واكتشاف العالم الجديد نكسة عسكرية واقتصادية للمسلمين عندما تراجعت قدراتهم البحرية واكتشافاتهم، ثم اكتشاف البارود واختراع الآلة الطابعة والمصباح والطائرة، كلها نكسات علمية كان لها الاثر الكبير على تخلف امتنا وهزيمتها في كل المجالات وذالك بكل بساطة لان الاسلام يامرنا بالعلم ونحن رفضنا هذا الامر فكان ما كان.
للنهضة مقومات ثلاثة مهمة، وهي الإرادة البشرية للتغيير والتقدم، الارض وما تهبه لابنائها من ثروات طبيعية والزراعة والصناعة، وثالثاً عامل الوقت اي عامل التخطيط ومعرفة الهدف والسبيل للوصول اليه. واهم هذه العوامل هي الاولى فالانسان الذي سلب روح النضال لامته ليس له اي قوة تذكر فلن يحرث الارض ولن يستفيد من وقته وهذا حالنا تماماً.
سبب تخلفنا هو اننا حكمنا غريزتنا البشرية في حب الكسل الخمول وتركرنا اقوى دوافع النهوض بالانسان وهي الارادة الروحية للنهوض بالذات، هذا الوازع الروحي يكتسب من الدين الاسلامي، فما الذي دفع بدو الجزيرة ليصبحوا عباقرة الكون وسادته في قرن؟ انه الاسلام بكل ما يتضمنه من عدل ومساواه وحقوق الانسان في التعليم والعيش الكريم في مجتمع تضامني يهتم بالفرد والاسرة ويحفظ كرامتهم.
الغريزة مرتبطة بالروح، اذا ضعف الوازع الروحي (الديني) تتحكم الغريزة بالانسان، والغريزة هنا اعني بها حب السلطة، المادية، الاحتقار للغير، الفساد الاخلاقي، ضياع الامانة، وكل اشكال التخلف. وواقع الدول الاسلامية شاهد على هذا، من رشوة و وساطة الى ضياع اموال المشروعات العامة وتدهور مجالات الصحة والتعليم والصناعة والاقتصاد. وكل هذا يعود لان المسلم ينزع اخلاقه ودينه عند رف الاحذية في المساجد ويخرج للمجتمع وحش مفترساً يبحث عن ما يختلسه وعن مسكين يغشه وعن عجوز يضحك عليها بمشروع وهمي!
الاسلام ضد كل هذا، فهو عامل قوة للمجتمع وليس العكس، فبدلا من الفردية يحول المجتمع الى بنيان واحد يشد بعضه بعضاً، الاسلام يخلق في المجتمع روح المحبة والاهتمام بالغير وهذا الروح الايثارية هي التي تبني الحضارات وهي التي ستبني الصومال باذن الله، بالارض للكل يزرعها الكل ليحصدها الكل، وهذه الروح التي تتحد تحت ظل الاسلام هي التي ستكفل عدالة اجتماعية واقتصادية واستقراراً سياسياً مبنياً على مجلس للشورى، يختاره الشعب شاهدين لهم بالصلاح فيختار المجلس رئيساً له يحكم البلاد والعباد بما يرض الله. وهذه الروح هي التي ستضمن لنا الاستمرار كشعب ذو ارض وعلم والا ذبنا كما ذابت الاندلس في بحر الغرب.
يتبع.... ان شاء الله