11.5.14

نوستالجيا المطر

ليست هناك تعليقات:
 


رائحة المطر الممتزجة بالعشب والتراب تشعل في داخلي حنيناً غير معروف الأسباب أو الإتجاهات، أذكر أنني كنت طفلاً دون العاشرة حينما إستهوتني هذه الرائحة. كنت دوما ومازلت أشتاق للمطر، لذراته التي تغسل الهموم وتشعل فيي الحنين، إنها النوستالجيا الجميلة تلك النوستالجيا الحميمية إلى وطني او إلى مكان أستقر فيه وأكبر فيه كشجرة بلوط عجوز!

ما يميز هذه الرائحة هو في إنسيابها العفوي إلى الوجدان، كتسلل صوتٍ خافت تحمله الريح الباردة في اول ساعة للفجر، هو ذاك الشعور الغريب وأنت تستلقي على سريرك منتظراً أول طائر يسبق رفاقه للتغريد بأعلى صوته "أصبحنا وأصبح الملك لله" بكل بخترة وتميز عن أقرانه الذين لا يكادون يسمعونه حتى يفيقوا جميعاً ليشاركوه التغريد!

لابد من وجود سبب بيلوجي أو سيكلوجي لحبي الغريب لرائحة المطر، ما الذي يجعل هذه القطرات المتبعثرة على ترابٍ او إسفلت جاف تفعل فيي فعلتها المعتادة؟ أذكر أنني حدثت والدي عن حبي للمطر فقال لي أنه أيضاً يحبه وخاصة إذا كان منهمراً بخزارة على أرض ترابية جافة! هل يعني هذا أني ورثت حب المطر من أبي؟ أما أمي فتفضله منهمراً على الإسفلت الجاف، تحب المدينة منعمة بلباسٍ مبتل مهرعين كلهم تحت مظلاتهم الصفراء إلى سقف يحتمون به حتى حين!

إخوتي وبقية الأسرة لا يهتمون كثيراً بالمطر، فقط طفلتي ذات السنتين تعشقه، أو بالأحرى تعشق برك المطر الصغيرة على الشارع أو في الحدائق، تحب أن تتسلل من يدي لتركض وتسحق هذه البقع المبتلة بقدميها الصغيرتين! ولا أملك أنى سوى الرضوخ لجنونها! وحدها تسلبني قناعي الجاد وتدغدغني بجرائمها الطفوليها.

أينما ذهبت..في أي مدينة أو منزل أو فندق.. أجد نفسي محملا بهموم الحياة ومشاغلها ولكني دوماً في إنتظار زائري الجميل، أسمعه يدق بكل خفة على نافذتي، متناثراً بهدوء ورقة وكأنه يهمس بصوت خافت تفاءل فالحياة تفاؤل مازالت الحياة مستمره ومازال هناك أمل بغدٍ أفضل.

ما يجعل المطر جميلاً ليس رائحته الحنينية فحسب، بل كل شيء فيه جميل، صوته الأوركستري الراننان، برودته الجفيفة والتي تصيبك بالقشعريرة والرغبة العارمة في حضن دافئ، وقدرته على تغيير الأماكن المألوفة إلى هلاميات مجهولة، إحساس جميل بالضياع والسير حافي القدمين في غابة دافئة جميلة.

ربما لست الوحيد المتيم بالمطر، قد تكون أنتَ او أنتِ من عشاقه أيضاً،  راقب جمال المطر وإبتسم وإنسى همومك ولو للحظات، تتيم به وإمتزج بعطره وستشعر بالحنين إلى كل شي إلى حضن أمك وكف أبيك الدافئ، إل جنونيات طفولتك وصداقاتك المبعثرة، وإلى بعض الأسماء التي طوتها السنوات في معطفها الكبير. 

حاول، وستحن إلى قلوب فتقدتها وأحاسيس نسيتها أو تناسيتها بسبب ظروفك وتقلبات موجات حياتك. أغمض عينيك وإسترجع شريط الأيام الغابرة وإغسل بهدوء كل تلك البقع الرمادية في ذاكرتك ولا تتركها تفسد عليك بقية أيامك الجميلة على هذا الكوكب الماطر! 

إملأ قلبك مطراً وإبتسم فمازال هناك سبب للحياة!

محمد

من مدينة المطر، مانشستر! 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

اعلانات الموقع

 
© 2012. Design by Main-Blogger - Blogger Template and Blogging Stuff